كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن خالويه: زعم سيبويه أن ينبغي لغة.
وقرأ الجمهور: {أن نتخذ} مبنيًا للفاعل و{من أولياء} مفعول على زيادة {من} وحسن زيادتها انسحاب النفي على {نتخذ} لأنه معمول لينبغي.
وإذا انتفى الابتغاء لزم منه انتفاء متعلقة وهو اتخاذ وليّ من دون الله.
ونظيره {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير} أي خير والمعنى ما كان يصح لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحدًا دونك، فكيف يصح لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك.
وقال أبو مسلم {ما كان ينبغي لنا} أن نكون أمثال الشياطين نريد الكفر فنتولى الكفار قال: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} وقرأ أبو الدرداء وزيد بن ثابت وأبو رجاء ونصر بن علقمة وزيد بن عليّ وأخوه الباقر ومكحول والحسن وأبو جعفر وحفص بن عبيد والنخعي والسلمي وشيبة وأبو بشر والزعفراني أن يُتخذ مبنيًا للمفعول واتخذ مما يتعدى تارة لواحد كقوله: {أم اتخذوا آلهة من الأرض} وعليه قراءة الجمهور وتارة إلى اثنين كقوله: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} فقيل: هذه القراءة منه فالأول الضمير في {نتخذ} والثاني {من أولياء} و{من} للتبعيض أي لا يتخذ بعض أولياء وهذا قول الزمخشري.
وقال ابن عطية: ويضعف هذه القراءة دخول {من} في قوله: {من أولياء} اعترض بذلك سعيد بن جبير وغيره.
وقال أبو الفتح {من أولياء} في موضع الحال ودخلت {من} زيادة لمكان النفي المتقدم كما تقول: ما اتخذت زيدًا من وكيل.
وقيل {من أولياء} هو الثاني على زيادة {من} وهذا لا يجوز عند أكثر النحويين إنما يجوز دخولها زائدة على المفعول الأول بشرطه.
وقرأ الحجاج أن نتخذ من دونك أولياء فبلغ عاصمًا فقال: مقت المخدّج أو ما علم أن فيها {من} ولما تضمن قولهم {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} أنّا لم نضلهم ولم نحملهم على الامتناع من الإيمان صلح أن يستدرك بلكن، والمعنى لكن أكثرت عليهم وعلى آبائهم النعم وأطلت أعمارهم وكان يجب عليهم شكرها والإيمان بما جاءت به الرسل، فكان ذلك سببًا للإعراض عن ذكر الله.
قيل: ولكن متعتهم كالرمز إلى ما صرح به موسى من قوله: {إن هي إلاّ فتنتك} أي أنت الذي أعطيتهم مطالبهم من الدنيا حتى صاروا غرقى في بحر الشهوات فكان صارفًا لهم عن التوجه إلى طاعتك والاشتغال بخدمتك و{الذكر} ما ذكر به الناس على ألسنة الأنبياء أو الكتب المنزلة أو القرآن.
والبور: قيل مصدر يوصف به الواحد والجمع.
وقيل: جمع بائر كعائذ وعوذ.
قيل: معناه هلكى.
وقيل: فسدى وهي لغة الأزد يقولون: أمر بائر أي فاسد، وبارت البضاعة: فسدت.
وقال الحسن: لا خير فيهم من قولهم أرض بور أي معطلة لا نبات فيها.
وقيل {بورًا} عميًا عن الحق.
{فقد كذبوكم} هذا من قول الله بلا خلاف وهي مفاجأة، فالاحتجاج والإلزام حسنة رابعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وهو على إضمار القول كقوله: {يا أهل الكتاب} إلى قوله: {فقد جاءكم} أي فقلنا قد جاءكم.
وقول الشاعر:
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ** ثم القفول فقد جئنا خراسانا

أي فقلنا قد جئنا وكذلك هذا أي فقلنا قد كذبوكم، فإن كان المجيب الأصنام فالخطاب للكفار أي قد كذبتكم معبوداتكم من الأصنام بقولهم {ما كان ينبغي لنا} وإن كان الخطاب للمعبودين من العقلاء عيسى والملائكة وعزير عليهم السلام، وهو الظاهر لتناسق الخطاب مع قوله: {أأنتم أضللتم} أي كذبكم المعبودون {بما تقولون} أي بقولهم أنكم أضللتموهم، وزعمهم أنكم أولياؤهم من دون الله.
ومن قرأ {بما تقولون} بتاء الخطاب فالمعنى فيما تقولون أي {سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء}.
وقيل: الخطاب للكفار العابدين أي كذبكم المعبودون بما تقولون من الجواب.
{سبحانك ما كان ينبغي لنا} أو فيما تقولون أنتم من الافتراء عليهم خوطبوا على جهة التوبيخ والتقريع.
وقيل: هو خطاب للمؤمنين في الدنيا أي قد كذبكم أيها المؤمنون الكفار في الدنيا فيما تقولونه من التوحيد والشرع.
وقرأ الجمهور {بما تقولون} بالتاء من فوق.
وأبو حيوة وابن الصلت عن قنبل بالياء من تحت.
وقرأ حفص وأبو حيوة والأعمش وطلحة {فما تستطيعون} بتاء الخطاب، ويؤيد هذه القراءة أن الخطاب في {كذبوكم} للكفار العابدين.
وذكر عن ابن كثير وأبي بكر أنهما قرآ بما يقولون فما يستطيعون بالياء فيهما أي هم.
{صرفًا} أي صرف العذاب أو توبة أو حيلة من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال، هذا إن كان الخطاب في {كذبوكم} للكفار فالتاء جارية على ذلك، والياء التفات وإن كان للمعبودين فالتاء التفات.
والياء جارية على ضمير {كذبوكم} المرفوع وإن كان الخطاب للمؤمنين أمّة الرسول عليه السلام في قوله: {فقد كذبوكم} فالمعنى أنهم شديدو الشكيمة في التكذيب {فما تستطيعون} أنتم صرفهم عما هم عليه من ذلك.
وبالياء فما يستطيعون {صرفًا} لأنفسهم عما هم عليه.
أو ما يستطيعون صرفكم عن الحق الذي أنتم عليه.
{ولا نصرًا} لأنفسهم من البلاء الذي استوجبوه بتكذبيهم.
{ومن يظلم منكم} الظاهر أنه عام.
وقيل: خطاب للمؤمنين.
وقيل: خطاب للكافرين.
والظلم هنا الشرك قاله ابن عباس والحسن وابن جريج، ويحتمل دخول المعاصي غير الشرك في الظلم.
وقال الزمخشري: العذاب الكبير لاحق لكل من ظلم والكافر ظالم لقوله: {إن الشرك لظلم عظيم} والفاسق ظالم لقوله: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} انتهى وفيه دسيسة الاعتزال.
وقرىء: يذقه بياء الغيبة أي الله وهو الظاهر.
وقيل: هو أي الظلم وهو المصدر المفهوم من قوله: {يظلم} أي يذقه الظلم.
ولما تقدم الطعن على الرسول بأكل الطعام والمشي في الأسواق أخبر تعالى أنها عادة مستمرة في كل رسالة ومفعول {أرسلنا} عند الزجاج والزمخشري ومن تبعهما محذوف تقديره أحدًا.
وقدره ابن عطية رجالًا أو رسلًا.
وعاد الضمير في {إنهم} على ذلك المحذوف كقوله: {وما منا إلاّ له مقام} أي وما منا أحد والجملة عند هؤلاء صفة أعني قوله: {إلاّ إنهم} كأنه قال إلاّ آكلين وماشين.
وعند الفراء المفعول محذوف وهو موصول مقدر بعد إلاّ أي إلاّ من.
{إنهم} والضمير عائد على {من} على معناها فيكون استثناء مفرغًا وقيل: إنهم قبله قول محذوف أي {إلاّ} قيل {إنهم} وهذان القولان مرجوحان في العربية.
وقال ابن الأنباري: التقدير إلاّ وإنهم يعنى أن الجملة حالية وهذا هو المختار.
قد ردّ على من قال إن ما بعد إلاّ قد يجيء صفة وإما حذف الموصول فضعيف وقد ذهب إلى حكاية الحال أيضًا أبو البقاء قال: وقيل لو لم تكن اللام لكسرت لأن الجملة حالية إذ المعنى إلاّ وهم يأكلون.
وقرئ {أنهم} بالفتح على زيادة اللام وإن مصدرية التقدير إلاّ أنهم يأكلون أي ما جعلناهم رسلًا إلى الناس إلاّ لكونهم مثلهم.
وقرأ الجمهور: {ويمشون} مضارع مشى خفيفًا.
وقرأ عليّ وابن مسعود وعبد الرحمن بن عبد الله {يمشّون} مشددًا مبنيًا للمفعول، أي يمشيهم حوائجهم والناس.
قال الزمخشري: ولو قريء {يمشون} لكان أوجَه لولا الرواية انتهى.
وقد قرأ كذلك أبو عبد الرحمن السلمي مشدد مبنيًا للفاعل، وهي بمعنى {يمشون} قراءة الجمهور.
قال الشاعر:
ومشى بأعطان المباءة وابتغى ** قلائص منها صعبة وركوب

{وجعلنا بعضكم}.
قال ابن عطية: هو عام للمؤمن والكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الشاكر فتنة للغني، والرسول المخصوص بكرامة النبوّة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره، وكذلك العلماء وحكام العدل.
وقد تلا ابن القاسم هذه الآية حين رأى أشهب انتهى.
وروي قريب من هذه عن ابن عباس والحسن.
قال ابن عطية: والتوقيف بأتصبرون خاص للمؤمنين المحقين فهو لأمّة محمد صلى الله عليه وسلم، كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين أي اختبارًا ثم وقفهم.
هل تصبرون أم لا؟ ثم أعرب قوله: {وكان ربك بصيرًا} عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين.
وقال الزمخشري: {فتنة} أي محنة وبلاء، وهذا تصبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه واستبعدوه من أكله الطعام ومشيه في الأسواق بعدما احتج عليهم بسائر الرسل يقول: جرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض.
والمعنى أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم العداوة وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف وأنواع أذاهم، وطلب منهم الصبر الجميل ونحوه {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا} الآية وموقع {أتصبرون} بعد ذكر الفتنة موقع {أيكم} بعد الابتلاء في قوله: {ليبلوكم أيكم أحسن عملًا} {بصيرًا} عالمًا بالصواب فيما يبتلى به وبغيره فلا يضيقن صدرك ولا تستخفنك أقاويلهم فإن في صبرك عليهم سعادة، وفوزك في الدارين.
وقيل: هو تسلية عما عيروه به من الفقر حين قالوا {أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة} وأنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء لينظر هل تصبرون وأنها حكمته ومشيئته يغني من يشاء ويفقر من يشاء.
وقيل: جعلنا فتنة لهم لأنك لو كنت غنيًا صاحب كنوز وجنات لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا، وإنما بعثناك فقيرًا لتكون طاعة من يطيعك منهم خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي.
وقيل: كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم يقولون إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا عمار وصهيب وبلال وفلان وفلان فرفعوا علينا إدلالًا بالسابقة فهو افتتان بعضهم ببعض انتهى.
وفيه تكثير وهذا القول الأخير قول الكلبي والفراء والزجاج.
والأولى أن قوله: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} يشمل معاني هذه الألفاظ كلها لأن بين الجميع قدرًا مشتركًا.
وقيل: في قوله: {أتصبرون} أنه استفهام بمعنى الأمر أي اصبروا، والظاهر حمل الرجاء على المشهور من استعماله والمعنى لا يأملون لقاءنا بالخير وثوابنا على الطاعة لتكذيبهم بالبعث لكفرهم بما جئت به.
وقال أبو عبيدة وقوم: معناه لا يخافون.
وقال الفراء: لا يرجون نشورًا لا يخافون، وهذه الكلمة تهامية وهي أيضًا من لغة هذيل إذا كان مع الرجاء جحد ذهبوا به إلى معنى الخوف.
فتقول: فلان لا يرجو ربه يريدون لا يخاف ربه، ومن ذلك {ما لكم لا ترجون لله وقارًا} أي لا تخافون لله عظمة وإذا قالوا: فلان يرجو ربه فهذا معنى الرجاء لا على الخوف.
وقال الشاعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وحالفها في بيت نوب عوامل

وقال آخر:
لا ترجى حين تلاقي الذائدا ** أسبعة لاقت معًا أم واحدا

انتهى.
ومن لازم الرجاء للثواب الخوف من العقاب، ومن كان مكذبًا بالبعث لا يرجو ثوابًا ولا يخاف عقابًا ومن تأول لم يرج لسعها على معنى لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها.
فهو لذلك يوطن على الصبر ويجد في شغله فتأويله ممكن لكن الفراء وغيره نقلوا ذلك لغة لهذيل في النفي والشاعر هذلي، فينبغي أن لا يتكلف للتأويل وأن يحمل على لغته. اهـ.